تعيش الأسر رحلة اكتشاف مبكر لكل ما يهم الطفل، سواء كان ذلك رياضة، أو موهبة، أو حبًّا لشيء ما، حتى يصل الطفل سن المراهقة، ويفقد الشغف نحو التجربة، ويبدأ التحرُّك بحذر تجاه العالم الجديد الذي ينظر له بعقل مختلف ومشاعر متضاربة؛ ليفرض “ذاته” على جميع من حوله، وهنا ينبت التساؤل الشهير في عقول الآباء والأطفال معًا: كيف أعرف ما هو شغفي؟
في هذا المقال نشرح خطوات ذلك البحث، ولكن في البداية يجب أن نتعرف على تفاصيل مرحلة المراهقة.
مرحلة المراهقة:
تعتبر من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان، وتعدُّ مرحلة حرجة في حياة المراهق؛ نظرًا لما يواكبها من بزوغ بعض الحاجات النفسية الأساسية، بداية من حاجته للاستقلال، وصولًا إلى محاولات تأكيد ذاته وتحقيق أهدافه.
وإشباع هذه الحاجات قد يُقابَل بالرّفض في بعض الأحيان؛ لأن تحقيقها يخضع للقيم والمعايير الاجتماعية، ممّا يؤدّي بالمراهقين إلى بعض الصراعات النفسية.
وتتسم مرحلة المراهقة بتغيُّرات في المظاهر الجسمية والفسيولوجية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تميِّز هذه الفترة بصورة واضحة.
حاجات المراهقة:
يسعى المراهق في هذه الفترة إلى إشباع حاجاته الاجتماعية والنفسية والجسمانية، أو محاولة إشباعها، وتتفاوت حاجات المراهقين فيما بينهم من حيث درجة نشاطها. وهناك عدة طرق لإشباع حاجات المراهق، تتفق مع ما يسود المجتمع من عادات وتقاليد ومعايير سلوكية وقيم واتجاهات.
ومن أمثلة حاجات المراهقة الحاجات النفسية الاجتماعية، والتي تؤدي دورًا مهمًّا في حياة المراهق، وتبدو في صورة حاجات ملحّة تتطلب الإشباع، مثل:
أ- الحاجة إلى إبراز شخصيته ومكانته:
تعتبر من أهم الحاجات النفسية والاجتماعية، بل وأهمها، في فترة المراهقة؛ لأن المراهق في هذه المرحلة شغوف توَّاق إلى أن تكون له أهميّته ومكانته بين أفراد الأسرة والمجتمع الذي ينتمي له، ويكون في سعي وحركة ليعترف الآخرون بقيمته، ويتعجّل في تصرفاته باستمرار للوصول إلى مرحلة الراشدين الناضجين.
ب- الحاجة إلى الاستقلال:
تتزايد أهمية هذه الحاجة ودلالتها في مرحلة المراهقة، حيث نجد المراهق توَّاقًا إلى أن يتخلص من القيود والضغوط التي يفرضها عليه والداه، وإلى أن يصبح شخصًا مستقلًا يوجد نفسه بنفسه، فهو يريد لنفسه غرفة خاصة في المنزل يستطيع أن يحتفظ فيها بحاجاته الشخصية، وأن ينظِّمها بطريقته الخاصة، ويبتعد فيها عمَّن هم أقل من سنًّا من الإخوة والأخوات، ويعتكف ويفكر ويخطط فيها لأموره الخاصة.
المراهقون الذين يتلقون معاملة صحية ومتَّزنة في المنزل والمدرسة يتسم سلوكهم بالاتزان والظبط النفسي، ويكونون قادرين على الإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية، ومن هنا يبدأ فصل جديد في حياة الأسرة.
وهناك بعض المبادئ الأساسية التي يجب زرعها في حياة المراهق لتفتح له آفاقًا جديدة في حياته وعلاقته بعالمه الجديد، ومن أهمها معرفة حقيقة الشغف.
حقيقة الشغف:
هناك العديد من الآراء والمفاهيم التي توضح مفهوم الشغف، ولكن معظم المراهقين ينجرفون لمشاهدة مقاطع التحفيز، والتي تجعل المراهق يشعر بحالة من النَّشوة Euphoria لتنمو ابتسامة التفاؤل على وجه الصغير، والتي تنتهي بانتهاء المقطع، ثم يعود ساكنًا كما كان.
ولمعرفة حقيقة الفرق الفعلي بين الشغف والهواية، أو المهارة والموهبة، عليكم الإطلاع على مقالة “مستقبل الصغار.. بين قوالب المجتمع وحاجات الواقع“.
أما الحقيقة الفعلية للشغف، فهي تحقيق التوازن بين أربع دوائر مهمة في حياة المراهق، وهي: دائرة الشغف والهواية، ودائرة العمل والمسار الوظيفي، ودائرة المهارات الفردية، ودائرة القيم التي يقدمها للحياة .ويمكننا الاستناد هنا إلى نموذج إيكيجاي “Ikigai”.
نموذج إيكيجاي “Ikigai”:
تشتهر اليابان بمعدل أعمار عالٍ، حسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية، وذلك بمتوسط عمر يبلغ 83 عامًا. ودائمًا ما يتم ربط ذلك بالنظام الغذائيّ الصّحي لليابانيين، لكنه في الحقيقة ليس السبب الوحيد، وهذا ما اكتشفه الصحفي الإسباني “فرانسيسك ميراليس” عند زيارته لليابان، وذهابه إلى قرية تضم أكبر عدد من المُعمِّرين في العالم، حيث وجد الجميع يتمتعون بالشغف والطاقة للحياة، وكانت الإجابة المتكررة هي “إيكيجاي”، وأصبحت هذه الفلسفة اليابانية موضوع هذا الكاتب الإسباني بعنوان “إيكيجاي: أسرار اليابان لحياة طويلة وسعيدة”، والذي تم بيع ملايين النسخ منه حول العالم.
“إيكيجاي” كلمة يابانية تعني “ما يستحق العيش من أجله”، حيث يجيب المفهوم عن ٤ أسئلة مهمة تشكِّل وعي المراهق، وهي كالتالي:
1- ماذا تحب؟
يعبر عن الأشياء التي تغمرك بالسعادة وتسعد قلبك، كلما كانت موجودة.
2- ماذا تجيد؟
سؤال خاص بالمهارات التي يتميز بها المراهق، والمواهب التي وُجدت فيه بشكل طبيعي من دون أن يحاول تنميتها.
3- ما الذي يحتاجه العالم منك؟
يتعلق بالتأثير الذي تريد أن تبذل كل جهدك من أجله، وتشعر بالقيمة عند القيام به.
4- ما الذي يمكن أن يُدفع لك من أجله؟
يعبر عن المسار الوظيفي الذي من خلاله تحصل على العوائد المالية لتوفر متطلبات المعيشة.
إذن، الوصول للمفهوم الحقيقي للشغف هو الوصول للتوازن المثالي للحياة، وهم ما يطلق عليه “إيكيجاي”، عندما يتم ملء الدوائر الأربع من خلال عمل واحد، فحينها تحصل على السعادة والشغف الحقيقي.
دورنا كآباء وأمهات:
دور كل أب وأم في هذا الوقت الحرج من حياة الطفل هو توضيح هذه الأسئلة له، وتحقيق توازن بين هذه الدوائر لكي يحصل على المعنى الفعلي للحياة دون تحيُّز إلى دائرة أو جانب، وعلينا أن نعيش مع الطفل هذه التجربة بصدر رحب، وتقبُّل لجميع الاختلافات التي تتكوّن في هذا الوقت.
ولنتذكّر أن هدفنا الأساسي هو أن نجعل أطفالنا يعيشون في بيئة آمنة، بصحة نفسية جيدة.
المصادر:
- Ikigai: The Japanese Secret to a Long and Happy Life
- سيكولوجبة النمو – أ.د/ فيوليت فؤاد
- الهشاشة النفسية – د.إسماعيل عرفة.
- ـhttps://www.youtube.com/watch?v=pk-PcJS2QaU
- ـhttps://www.youtube.com/watch?v=Zxj3P0enJNQ&t=2s
اترك تعليقاً