نرغب دائمًا في أن يحب الأطفال القراءة، ونسعد بنجاحنا في إكسابهم هذه الهواية، بعد فترة من المعاناة من رفضهم للقراءة، وتدريبهم على هذه المهارة. وبعد قبولهم للقراءة، وتحول القراءة من وقت ملل لوقت ممتع ينتظره الأطفال ويسعدون به، نبدأ في القلق من اختياراتهم التي قد تتعارض مع نموِّهم النفسي السليم، أو تتعارض مع منظومتنا القيمية، فلا نعرف ماذا نفعل.. هل نجعلهم يتوقّفون عن القراءة، أم نجبرهم عليها، ونحاول متابعة ما يريدون قراءته، بل وأحيانًا نحدد لهم ما يقرؤونه؟
بعد أن يصبح الطفل مراهقًا يزداد القلق؛ ففي بداية المراهقة، أو كما تُسمى المراهقة المبكرة، تكون لدى المراهقين أفكار محددة ومتطرفة؛ الأشياء صحيحة أو خاطئة، رائعة أو فظيعة، بدون فارق أو حدود، حزن شديد يقابله سعادة مفرطة. ولكن، بشكل عام، في كل مراحل المراهقة، سواء مبكرة أو متوسطة أو حتى متأخرة، نجد معظم المراهقين يتجادلون أكثر مع والديهم؛ لأنهم يكافحون من أجل الحصول على المزيد من الاستقلال والخصوصية، فيبدؤون في استكشاف طرق ليكونوا مستقلين عن أسرهم، فهم بحاجة للخصوصية في كثير من الأوقات، ومعظم المراهقين يطالبون بقضاء وقت أقل مع العائلة، والمزيد من الوقت مع الأصدقاء، وعادة ما يكونون قلِقين للغاية بشأن مظهرهم أمام الأصدقاء؛ لأن ضغط الأصدقاء في هذه المرحلة أكبر من أي ضغط يواجهونه.
كيف أتعامل مع اختيارات صغيري في مرحلة المراهقة؟
كثيرًا ما نجد اختيارات المراهق في القراءة مختلفة عن منظومتنا القيميّة، أو نجد أنها تأخذه لعالم لا نريده، وتُطْلعه على ثقافات قد تؤثر فيه بالسلب، دون استجابة منه لاختياراتنا أو مناقشاتنا.
لقد اكتشفت أن اختيارات المراهق تكون خاطئة في كثير من الأحيان، وقد تؤذيه أو تمده بأفكار سلبية، وتغير منظومته القيميّة، أو تكون مخالفة لأخلاق وعقيدة الأسرة، مما يجعل مشاعر الخوف أمرًا ضاغطًا عليّ كمربية ومسؤولة، وهنا تكمن المشكلة، فأتردّد وأنفعل مرة، وأهدأ مرة، ولكن دون جدوى، حتى وجدت خطوات ذهبية ساعدتني في تهذيب اختيارات المراهق، والوصول به لتنقيح الكتب بنفسه، وعرض مناقشاته الثريّة معي.
إليكم هذه الخطوات، بعد ما قرأت لجيمس كلير، مؤلف كتاب Atomic Habits، حول تغيير سلوك شخص ما، سواء كان سلوكك أنت أو سلوك شخص آخر.
إليك أربعة قوانين يمكنك اتباعها:
1- اجعلها واضحة – Make it Obvious
الرؤية من أهم الحواسّ، حيث يُشغّل العقل نصف طاقته للرؤية، والذاكرة البصرية من أهم الأشياء التي نركز عليها لتعلُّم أي سلوك، والتي من خلالها اهتمّ المربّون بالخرائط الذهنية، وأيضًا رؤية المراهق للكبار في المنزل يقرؤون، أو يبحثون عن الكتب. والحديث عن أهمية القراءة، وتوضيح الهدف منها في هذه المرحلة من أهم الأمور، خصوصًا أن النضج العقلي والمعرفي لدى المراهقين يكون أفضل بكثير من مرحلة الطفولة. ومن هنا وجدت أن قراءة المربّي بشكل مستمر، وتحديد مكان مخصص للقراءة، يراها المراهق أول خطوة ليكتسب مهارة القراءة ثم يحبها، مع الحديث عن القيم والأخلاق المرتبطة بالأسرة بشكل غير مباشر، واستغلال المواقف التي تستدعي الحديث عن قيم الأسرة؛ حتى لا يكون استخدام هذه المواقف للنهي وإعطاء الأوامر وإلقاء المحاضرات؛ لأنها كلها طرق غير فعالة وغير مجدية مع المراهقين.
2- اجعلها جذابة – Make it Attractive
الأصدقاء في هذه المرحلة جزء مهم في حياة المراهق، فاختيار أصدقاء يقرؤون يشجع المراهق على القراءة؛ لأن الصحبة مؤثرة جدّا في هذه المرحلة، ووجود أصدقاء على وعي بنفس القيم والأخلاق، أو على الأقل قريبة من قيم وأخلاق الأسرة، يساعد ويُسهِّل عملية اختيار القصص أو الكتب، فبمساعدة أصدقاء ابني المراهق على اختيار الكتب، تشجَّع على تجربتها وقراءتها.
الخطوة التالية بعد البحث عن أصدقاء يقرؤون هي التنوع في اختيار الكتب لتغطية كل التخصُّصات لجذب المراهق، والخطوة الأخيرة في جعل القصص جذابة هي معرفة هدف المراهق، أو ما يحب أن يكون عليه في المستقبل، وتوفير كتب وقصص وروايات بها اهتماماته، فبذلك نيسِّر على المراهقين عملية القراءة، فالمكتبات الرقمية، على سبيل المثال، بها الكثير من القصص التي تتحدث عن التخصّصات المختلفة والواسعة التي قد يحتاجها المراهق، كما أن تخصيص وقت محدد في اليوم للقراءة، يساعد المراهق- في عقله اللاواعي- على زيادة قدرته على الإنجاز وتحفيزه للقراءة، ووجود مكان معين أيضًا للقراءة يجذب المراهق لتجربة القراءة، والخوض في رحلة القراءة، كما ذكرنا في النقطة الأولى.
3- اجعلها سهلة – Make it easy
نحن نتعلم عن طريق التقليد والممارسة والمحاولة والخطأ، فوجود القدوة، سواء من المنزل أو خارجه، من أهم الخطوات لخلق مراهق قارئ. ولاكتساب أي عادة أو سلوك، لا بد من تكراره من 21 مرة إلى 60 مرة، فالأمر يصعب جدا في البداية، ويحتاج جهدًا وطاقة كبيرة، وتقل الطاقة والجهد، ويصبح الأمر أسهل وأيسر مع الوقت، مع توفير الذهاب للمكتبة والتجول فيها، وتوفير مبلغ شهريا لشراء الكتب، أو توفير وعرض الكثير من الكتب داخل المنزل، أو من خلال المنصات الإلكترونية، لتسهيل القراءة، فيمكن البدء بسماع الكتب، ومع الوقت يبدأ المراهق بالقراءة حتى يكتسب مهارة القراءة وتصبح عادة بعد تكرارها. اجعله يقرأ أولًا ما يجذبه فقط، وشجِّعه على أن يقرأ، ولا تقلل من قيمة الوقت الذي قرأ فيه، حتى لو بدأ بخمس دقائق.
4- اجعلها مُرضيه – Make it satisfying
افتح الكتب للإطلاع عليها أمام المراهق، ولا تكتفِ بأن يُطلب منه أن يقرأ، ولا بد من عدم الضغط عليه لأجل أن يقرأ؛ فمتعة القراءة تأتي من الحب وليس من الإجبار.
وتساعد قراءة الكتب على تقليل الشعور بالوحدة؛ لأنهم يرون شخصية تتعامل مع نفس المشكلات التي يواجهونها. ويجد آخرون الإلهام في قراءة الكتب الحزينة وليست فقط المفعمة بالأمل، حيث تستمر الشخصية الرئيسية وتنجح، على الرغم من تجارب الحياة والتحديات التي يقابلها بطل الرواية أو القصة في النهاية؛ فالقراءة يجب أن تكون مرضية لأحلامه وتوقعاته، وإذا قرأ المراهق كتابًا يعجبك ولا يعجبه، ورفض أن يكمله، فلا تجبره على قراءته، واخلق مسابقات في القراءة، مثل: مناقشة كتاب كل شهر، أو كتابة تلخيص كتاب، أو سؤاله عن الكتاب الذي قرأه وتحديد مكافأة له بعدها.
وفي النهاية، يلعب المربِّي مع المراهق دور الصديق حتى يجذبه ويتقبل مناقشاته، ويسمع ويقبل النصح والإرشاد، ويفكر في كلام المربِّي، حتى لو لم يقبل النصح، وقرر أن يجرِّب ويحاول. وكلما كنت أقرب لابنك، استجاب واهتمَّ وسمع أفكارك وأراءك.
ستجد أفكارًا كثيرة تساعدك على التقرُّب من المراهق ووجودك كصديق بجواره من خلال المقالة التالية: ”القراءة في مرحلة المراهقة.. ضرورة أم رفاهية؟ ”
المراجع
– عبد الكريم بكار، 1431، طفل يقرأ، ط 5، دار وجوه للنشر والتوزيع، السعودية.
– ألين مازليش، أديل فابر، أيهم الصباغ، 1440، كيف تتحدث فيصغي المراهقون إليك وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟
ط 5، شركة العبيكان للتعليم، الرياض.
– قراءة نقدية في تأثير الأدب على المراهقين.
اترك تعليقاً