يستدير بطل المسرحية بعد أن قال للبطلة جملته المحفوظة.. تنظر إليه وتكاد أن تؤدي دورها، ولكن البطل يفاجئ الجميع بكسر الحاجز المسرحي، والبدء في التحدُّث مع الجمهور مباشرة.
اعتدنا على هذا المشهد في الكثير من المسرحيات، ولكن هل يمكن كسر هذا الحاجز في القصص المكتوبة، ولا سيما في قصص الأطفال؟ كيف يمكن لبطل قصة مكتوبة بين يدي أطفالنا أن يتحدث إليهم؟ الإجابة على هذا السؤال ببساطة هي: عن طريق “الميتافكشن“، الذي بدأ ظهوره رسميًّا في عصر ما بعد الحداثة، بمنتصف القرن العشرين، والذي كان موجودًا بدون مسمى منذ زمن بعيد، في كتابات مختلفة متفرقة.
اتسم عصر ما بعد الحداثة بتقديم فن له طابع خاص، تسوده الحسيَّة، كما ظهر منهج ماريا مونتيسوري المعروف والمطبق حاليًّا في الكثير من المؤسسات التعليمية، في هذا العصر أيضًا، والذي يتسم بالاعتماد على الحواس في التعلم.
وكان من الطبيعي أن يأتي أدب الطفل متَّسقا مع ظواهر الفترة الزمنية التي ينتمي إليها؛ فنشأ “الميتافيكشن”، والذي يعتمد كليًّا على الحواس والتفاعل المباشر بين القارئ والكتاب. ومن هنا بدأ الكُتّاب يخترقون الحاجز الرابع بين الكاتب والقارئ، بدلا من الممثل والجمهور.
وفي هذه الفترة المعاصرة، ومع ظهور الأجهزة الإلكترونية التي أتاحت للطفل التفاعل المباشر، كان من الضروري أن يواكب إصدار الكتب الورقية هذه الطفرة في عقل الطفل، الذي أصبح يستمتع بالحركة والتفاعل المستمر.
ومن هنا تعدّدت أنواع “الميتافكشن” وازدهرت في أدب الأطفال الغربي، ونالت حب الأطفال والتفّوا حولها. كما بدأ انتشارها في العالم العربي مؤخرًا، وجذبت الكثير من القراء الصغار.
أشهر أنواع “الميتافكشن”
الحكاية داخل الحكاية
وهي قصة أشبه بصندوق كلما فتحته وجدت صندوقا آخر.
ومن أمثلتها:
في أدب الطفل العربي:
قصة “ليالي شهر زيزي”
والتي تقدم نمطًا محاكيًا لـ”ألف ليلة وليلة”، من منظور حديث وأبطال صغار، حيث تتداخل عشر حكايات في بعضها البعض، حتى نخرج منها جميعا ونعود للحكاية الأولى.
في أدب الطفل العالمي:
قصة “كتاب تشارلي كوك المفضل” Charlie Cook’s Favorite Book
وهي قصة ممتعة لطيفة، عن ولد يقرأ كتابه المفضل، الذي يحكي عن ملك وقع في صندوق؛ فوجد كتابًا يقرأ فيه حكاية بنت، وهكذا حتى يعود بنا الكتاب بطريقة دائرية للقصة الأولى.
القصة المتفاعلة حركيّا
وهي القصة التي تطلب من الطفل فعل حركات بسيطة لدمجه في القراءة، وتعتمد على طلب مساعدات خارجية من القارئ لتتم قراءة القصة، وهي تحاكي الحركات التي يفعلها الطفل عند استخدام الشاشات الإلكترونية.
ومن أمثلتها:
في أدب الطفل العربي:
قصة “بذرة الزيتون السحرية”
والتي تطلب من القارئ أن يضغط على البذرة، ثم يقلب الصفحة فيرى أن البذرة أصبحت تحت التراب؛ فيُطلب منه شيء آخر، وهكذا حتى تصبح البذرة شجرة نعصر منها زيت الزيتون.
في أدب الطفل العالمي:
قصة “هذا الكتاب خارج السيطرة” This book is out of control
والتي تتميز بطرافة وخفة وسهولة يستطيع بها الكاتب دمج الطفل في عالم القصة، باستخدام سيارة إطفاء لعبة، لها جهاز تحكم عن بعد معطل.
فكلما يضغط الأبطال على زر من الأزرار لا تتحرك السيارة، حتى يسقط جهاز التحكم من أحدهم، ويضطر القارئ لمساعدة الأبطال؛ كي ينزلهم ويتم تشغيل السيارة بنجاح.
القصة التي يخرج منها الأبطال للقارئ
وهي تشبه القصة المتفاعلة حركيّا، إلا أنها تدمج القارئ دون أن يؤدي حوارًا؛ فالشخصيات في هذا النوع من القصص تعي تماما أنها في كتاب، وتعلم عندما يفتح القارئ الكتاب، وتبدأ التحاور معه.
ومن أمثلتها:
في أدب الطفل العربي:
قصة “بيت بو”
والتي تجدونها على تطبيق نوري، حيث يخرج منها الأبطال ويقاطعون القارئ، فلا يستطيع أن يكمل القراءة.
يحذرهم القارئ مرارًا وتكرارًا بدون جدوى، وتتوالى الأحداث حتى تصل للقارئ رسالة مهمة عن الصداقة.
في أدب الطفل العالمي:
قصة “لا تدعوا الحمامة تقود الحافلة” Don’t Let the Pigeon Drive the Bus
وهي قصة يكمن السر في بساطتها؛ فقد استطاع الكاتب أن يلفت انتباه القارئ فورًا عندما يطلب السائق من القارئ ألا يسمح للحمامة أن تقود حافلته، ثم تقوم الحمامة بالإلحاح على القارئ ليسمح لها بالقيادة. وبهذا يوصل الكاتب رسالة هامة حول الحفاظ على الأمانة.
أيا ما كانت الطريقة التي يُدخل بها الكاتب الطفل عالم الكتاب لا يهم؛ فالمهم أن القارئ الصغير سيعيش متعة رحلة القراءة مع كل صفحة.
والآن، تدعوكم مكتبة “نوري” لمشاركتنا آراءكم حول المقال، وإخبارنا عن أنواع قصص الميتافكشن التي تحرصون على توفيرها لأطفالكم.
اترك تعليقاً