رحلة اختيار الكاتب لفكرة قصة للأطفال، تشبه الجلوس على ضفة بحر واسع حاملًا صنَّارته، التي هي قلمه، والانتظار لاصطياد أكثر الأفكار دهشة وفخامة وأهمية.
تنتظر وتنتظر أمام ورقة بيضاء، ويمر الوقت- غالبًا- بلا فكرة واحدة، أو تتقافز أمامك الأفكار كالأسماك الطائرة فجأة، ولكن لا تعرف ماذا تختار!
إذا كان يواجهك هذا التحدِّي، فهذا المقال لك، ليس ليعطيك الطُّعم لاصطياد الفكرة، ولكنه محاولة علَّها تدلُّك على الأنهار التي تختبئ في أعماقها أفكار القصص المدهشة.
قبل أن تبحث عن الفكرة
الكتابة للأطفال ليست سهلة أبدًا، وحتى مع وجود الموهبة والخبرة، تظلّ تحدِّيا كبيرًا، ولكنَّ التحدي الأكبر والصعب هو العثور على فكرة قصة مناسبة.
كن مستعدًا ومنظّمًا، فعلى الرغم من أن الأفكار فوضوية بطبيعتها، فإن اصطيادها يستلزم ترتيبًا، كأن تحدد هذه النقاط:
1- العمر الذي توجِّه له قصتك.
2- هدفك من القصة (المقولة)، وهو ما تريد توصيله للقارئ الصغير من خلال قصتك.
3- طبيعة القصة (خيالية، تعليمية، واقعية، تمزج بين الواقع والخيال… وهكذا).
والآن، لنبدأ رحلة البحث.. أين نجد أفكار قصص الأطفال؟
1- جِد الأطفال تجد الأفكار
الجملة التي سيخبرك بها أي كاتب محترف هي أن أفكار القصص “في كل مكان حولك”، وهي حقيقة فعلًا. يومًا ما وجدت فكرة في سرير نوم صغاري، ويومًا آخر أدهشتني فكرة في صندوق ألعابهم. ولنكون أكثر دقة، سنجد الفكرة “في أي مكان حولنا يوجد به أطفال”.
في كتاب “مهارات الكتابة للأطفال” للرائع جوان آيكن، يقول: قبل أن تقرِّر كتابة قصة للأطفال، خذ وقتك في مراقبة الأطفال الصّغار. لم يحدث أبدًا أنّ أحدهم كتب كتابًا حقيقيًّا للأطفال استنادًا إلى الالتقاء بهم عن بعد”.
ولكن، ماذا لو لم يكن لدينا تواصل مباشر مع الأطفال؟ نبحث في محيطنا، نجلس مع أصدقائنا الذين لديهم أطفال في العمر الذي نتوجَّه له بقصتنا، ونكتشف ما يثير اهتمامهم ودهشتهم.
نلعب معهم، ونشاركهم أوقات الطعام والتمارين. نتنزَّه معهم، ونستمع لحكاياتهم، نراقبهم بحب، ونسجّل مفراداتهم الكلامية في الحماس والغضب. وقتها فقط ستقفز الأفكار أمامنا من أماكن لم نتخيلها، ولكن ليس من بينها بالتأكيد مكتبنا المرتب، أمام الحاسوب أو الورقة القلم.
2- ابدأ بما تعرفه
يقول كتّاب الأطفال المحترفون مثل “أوليفر جيفرز”، صاحب كتاب “القلب والزجاجة”، والحائز على أكبر الجوائز في مجال كتب الأطفال، والذي بيع 12 مليون نسخة من كتبه حول العالم: “إن أفضل قصصه هي التي كتبها عن تجربة عاشها مع طفله بالفعل”.
تجارب مثل الفطام، والذّهاب للروضة لأول مرة، أو ولادة طفل جديد للأسرة، أو تربية حيوان أليف، والانتقال لمنزل أو مدينة مختلفة، وحتى تحميص خبز الإفطار كل يوم، وروتين النوم المنفصل.
لا يعني ذلك ألَّا نكتب قصصًا عن معارف توسع مدارك الطفل أو لم نختبرها معه شخصيًّا، ولكن المهم أن تكون في نطاق اهتمامه، مع بحث كثير ومكثف ومهم لتقديمها بأفضل صورة ممكنة.
كلّما كانت القصة في نطاق معرفتنا وخبرتنا مع أطفالنا أو الأطفال الذين نتعامل معهم باستمرار، كانت صادقة وقريبة ومدهشة. ولنتذكر أنه لا يمكننا التخطيط لكتابة كتاب أطفال ناجح، دون أن نتواصل مع نفس الفئة العمرية التي نتوجّه لها.
3- انظر داخل الصندوق
لا يعني ذلك ألّا نبحث عن أفكار جديدة، لكنه يعني أن الأفكار الجديدة هي التي تقع أحيانًا تحت أيدينا ولا نراها. يقول جوان آيكن: “عندما تخاطب صغار الأطفال، اختر موضوعًا في نطاق خبراتهم”.
والآن، انظر تحديدًا في محيط نظر الأطفال الذين تتوجَّه لهم بقصتك. حرفيًّا، كل ما يقع في مجال نظر الطفل هو ما يثير اهتمامه وتساؤلاته، وتجد به طبيعة الفكرة التي تبحث عنها.
هناك ملايين الكتب عن الحيوانات والطيور والأرقام والحروف والمشاعر، لكن ما الذي يميز أفضلها؟ نعم، تناولها بطريقة جديدة ومختلف.
لنترك أرفف المكتبات بعد القراءة والاطِّلاع، ثم نذهب ونبحث عن أفكار للقصص في صوت دِرَف خزانة الملابس، أو قرب السلالم وأحواض الاستحمام مع فقاعات الصابون، أو داخل صندوق الألعاب، أو خلف باب غرفة النوم، وربما داخل حصّالة الإدخار المكسورة، أو فيما وراء شاشة التلفاز، وفي داخل حقائب الجَدَّات، وطبعًا في طابور انتظار شراء الحلوى بالسوبر ماركت، وفي قلعة الرمال على شاطئ البحر.
4- العصف الذهني للأفكار
العصف الذهني مع كُتّاب آخرين يضيء لنا أماكن الضعف والقوة في فكرتنا، ويساعدنا في هذه المرحلة بقوة. ولكن، ماذا لو لم يكن لدينا أصدقاء كُتّاب لديهم نفس الاهتمامات؟
في هذه الحالة نلجأ للآتي:
• الخرائط الذِّهنية، بوضع أفكارنا في مركز ورقة بيضاء دون أن نُنقِّحها. مثلًا، لو كانت فكرتنا عن الديناصورات، لنكتب كلمة ديناصور ونترك لخيالنا العنان في إضافة كلمات أخرى تتشابك معها في دوائر، مثل: “ديناصور – طار- السماء – عيد ميلاد- ملابس تنكُّرية- فشار- بالونات- أخت صغيرة- اختفت الكعكة”.
وهكذا نكتب كل الكلمات التي تخطر في ذهننا، ثم في النهاية نبحث عن أكثرها ترابطًا بفكرة متماسكة تصلح لكتابتها كقصة.
• نستخدم أسلوب التساؤل: ماذا لو؟ مثل: ماذا لو زارنا ديناصور في المنزل؟
• نستخدم أسلوب السبب والنتيجة: مثل: لأنني دُعِيت لحفل عيد ميلاد تنكري، أحضرت زيَّ ديناصور حقيقي بحراشفه وجلده الأخضر المجعَّد.
• نستخدم أسلوب العصف الذهني بالصور: لنرَ كل صور الديناصورات المتاحة ونستلهم منها أفكارًا.
• العصف الذهني بالتجوّل والملاحظة والتأمل: لنذهب للتمشية أو السفر أو في رحلات غير تقليدية، تجدِّد أفكارنا، وتغذِّي ذاكرتنا البصرية والذهنيّة.
5- القراءة في كل شيء
لنقرأ كلَّ ما نقع عليه من قصص للأطفال والكبار، وكتب تعليمية، ومراجع وكتب علمية. وكذلك قراءة الجرائد والمجلات وإعلانات المحالّ ونشرات متاجر لعب الأطفال الإلكترونية. لنقرأ كل شيء في مجال اهتماماتنا أوّلًا، وفي مجالات لم نطرقها من قبل لاحقًا، فإذا لم نجد فكرة مدهشة، وجدنا معلومات تجعل من أفكارنا عندما نجدها “مدهشة”.
ذات يوم، في إشارة مرور مزدحمة، أُلْقِي عليَّ إعلان لافتتاح متجر لعب أطفال شهير. وضعته بجواري بملل، وبطرف عيني لمحت الجملة الآتية على الملصق: “قضاء يوم داخل متجرنا سيغير حياة طفلك للأبد”. سأترك لخيالكم العنان بعد قراءة هذه الجملة لاستحضار أفكار قصصية مدهشة لا حصر لها.
6- الكتابة الحرّة
الكتابة الحرّة تصحبها دائمًا ملاحظة وتأمل حرّ لما حولنا، وهي من أكثر الأساليب الفعّالة للحصول على فكرة قصة أطفال مدهشة، ليس فقط لأنها تُفرِّغ أفكارنا على الورق، ولكن لأنّها تُعدُّ تمرينًا كتابيًّا يوميًّا ينشط العقل، ويسجل كل الملاحظات والأفكار قبل أن تتبخر.
لنكتب عن فكرتنا دون أي قيود أو التزام. لنكتب فقط حتى عن أننا “نبحث عن فكرة مدهشة لقصة أطفال”، ولنتحرَّر في أثناء الكتابة من القواعد النحوية واللغوية والتنسيقية، وحتى من قواعد الكتابة نفسها. هذه الخربشات تساعدنا لاحقًا على وضع أيدينا على الفكرة الكنز.
7- ورش وتمارين الكتابة
تمارين الكتابة هي أروع ما يمكن أن يمارسه الكاتب بعد تمارين الجسم، وهذه أمثلة عليها يطرحها كتَّاب محترفون في مجال أدب الطفل:
1- اكتب قصة بناءً على ثلاث كلمات أو عناصر، ولتكن (قمر- سلم- فتاة).
2- اكتب قصة تبدأ بـ “لو”، مثل: لو كنت آخر طفل في العالم، ماذا ستفعل؟ لو عشت داخل أكبر مصنع شوكولاتة، ماذا سيحدث؟ لو كانت المعلومات في الكتب تؤكل على شكل حلوى، ماذا سيحدث؟ لو كانت الديناصورات جيراننا، ماذا سيحدث؟
3- اكتب قصة مُقفّاة أو مسجوعة على نفس وزن قصة أجنبية شهيرة تحبها، ولكن بفكرة مختلفة تمامًا ومحلية.
4- تخيّل طفلك أو طفلًا تعرفه جيدًا بطلًا في قصة أطفال معروفة، واكتبها من جديد بصفات وطباع وتصرُّفات هذا الطفل.
5- أعد كتابة القصص التي تحبها بنهايات وبدايات مختلفة تمامًا، أو بتغيير في الأحداث على طريقتك.
6- ابدأ قصة أخرى من حيث انتهت القصة التي قرأتها وأحببتها.
7- اكتب موقفًا حدث بالفعل بين مجموعة أطفال، وأضف إليه من خيالك حدثًا غير متوقع.
وغير ذلك من التمارين والأفكار التي يمكنك الحصول عليها بسهولة بالبحث على الإنترنت.
فِخاخ يقع فيها الكاتب عند البحث عن فكرة قصة أطفال مدهشة
والآن، لنحترس جميعًا من هذه الفِخاخ التي يمكن أن تُفقد قصتنا دهشتها، وهي:
1- التَّحذلق والتَّفلسف: الأطفال أذكياء، وهم رائعون في التقاط القصص المتحذلقة وقذفها من النافذة. كي لا نقع في هذا الفخ، علينا أن نكتب بصوت الطفل ونظرته، وليس من مستوى فوقي تنظيري أو متدنٍّ يقلِّل من الطفل. اكتب بصوت طفل، ببساطة، ولكن بروعة.
2- الاختزال للموقف: صحيح أن نكتب عن موقف حدث لنا مع أطفالنا، ولكن لننظر بصورة أوسع لنفس الموقف عند كتابته كقصة يقرؤها كل الأطفال، وليس صغارنا فقط.
3- التكرار: عندما نكتب عمّا نعرفه، لنتذكّر أن كل الموضوعات كُتبت من قبل، ولنفكِّر كيف نكتبها بزاوية ووجهة نظر مدهشة لم تكتب من قبل. مثلًا، إذا أردت الكتابة عن قطة، فلتكتب عن قطة تحب السباحة، أو أن تكتب عن كلب يرعى القطط لا الخِراف!
4- الوعظ: لنبتعد عن أفكار القصص الوعظية التي يتعلم فيها الطفل الدرس كتناول الدواء بالملعقة.
5- الكلاشيهات: تكرار موضوعات محددة لأنها لاقت رواجًا ونجاحًا في قصص سابقة. لنصنع قائمة جديدة بموضوعات جديدة لأطفال هذا الجيل.
6- التّشتُّت: إذا كان لدينا أكثر من فكرة، فلنكتب عن واحدة فقط، ونضع البقية في ملفات مع تدوين ملاحظات بأن نعود لها لاحقًا. لنتذكر أن عملية التفكير والعصف الذهني لا تنتهي، ومن الصِّحي أن نتوقف بمجرد العثور على بذرة قصة متماسكة لنكتبها ثم نعود لغيرها.
والآن، هيَّا لنحضر صنارتنا (قلمنا)، ومركبنا (ورقتنا)، وننطلق للدَّهشة التي تنتظرنا!
هذا المقال مبني على بحث في عدة مصادر مجانية ومتاحة عبر الإنترنت، وهي:
-كتاب “مهارات الكتابة للأطفال”، تأليف: جوان آيكن.
– دورة (الكنز المدفون في الكتابة للطفل)، موقع كورسيرا التعليمي.
– مساق كتابة القصة المصورة، موقع إدراك.
-كتاب “أكثر 38 خطأ في الكتابة القصصية وكيف يمكن تحاشيها”، تأليف: جاك م.بيكهام.
مفيييد جدا
بارك الله فيك…..من أجمل وأفيد المقالات في موضوع الكتابة للأطفال….. تحياتي
جميل جدًا ومرتب ومنظم في نقاط سلسة ومفهومة.. جزاك الله خيرًا.
جميل وملهم
انا أسعى للتأليف في هذا المجال الصعب لكني لم أجد الفكرة المناسبة ومقالتك هذه مفيد جدا ارجوا ان تساعدني ف مسعاي .
شكرا لك.